أقامت المؤسسة البحرينية للحوار مساء يوم أمس الأربعاء لقاءً لأعضائها مع المفكر والكاتب البحريني الدكتور علي محمد فخرو في محاضرة بعنوان (علمتني الحياة)؛ تحدث فيها عن خلاصة تجربته.
“ربِّ لا تجعلني أموت على سريري.. ودعني أموت في ساحات الحرية”… بهذه العبارة التي قالها شاعر بولندي ابتدأ فخرو محاضرته، معتبرًا أنه وجد فيها ضالته منذ بدايات تكوينه الفكري والمعرفي، وشق من خلالها منهجه وطريقه في الحياة.
وأخذ فخرو الحضور في جولة ثرية في مسيرة حافلة بالجد والمثابرة ملأت حياة صاحبها بالإنجاز والنجاح في مشواره الكبير؛ طالبًا، وطبيبًا، ثم وزيرًا للصحة، ووزيرًا للتربية والتعليم فيما بعد، ثم دبلوماسيًّا، ثم رئيسًا لمركز البحرين للبحوث والدراسات، ورئيسًا لمركز دراسات الوحدة العربية أخيرًا، كان في جميع تلك المحطات باحثًا وناشطًا وكاتبًا وذا رأي وموقف يتسم بالمبدئية والالتزام.
ودعا فخرو في أولى نقاطه الثماني عشرة التي استعرضها أمس إلى القراءة والمطالعة باعتبارهما النافذة على حياة متزنة وفاعلة؛ مؤكدًا أن “الحياة تصبح بلا طعم وبلا جمال بدون ثقافة واسعة، متعاظمة، متفاعلة، تمد الإنسان بأفكار جديدة، وبتذكير دائم بالقيم الأخلاقية والإنسانية”. مشيرًا إلى أنه استلهم من تلك الثقافة التي حرص على تحصيلها أن “العقل وحده لا يأتي بالسكينة النفسية والروحية”؛ عازيًا ذلك إلى ما يعتريه من تأثرات بالغرائز وما يصيب الإنسان من أحاسيس انتهازية؛ مؤكدًا أهمية الجانب الروحي والإيماني في هذا المجال.
وحث فخرو على ما أسماه بـ “الارتباط المضمون”، وهو الارتباط بالذي لا يتغير ولا يموت ولا يخادع ولا يحتاج إلى أحد، وليس الارتباط بالعالم المتغير المتبدل، مؤكدًا أن ذلك هو مصدر السعادة والرضا الداخلي الحقيقيين.
وشدد على ضرورة اعتماد قيمة العدالة أساسًا في الحياة في جميع مجالاتها، ورأى أن خدمة الناس من قبل الإنسان هي ألذ وأعمق وأكثر رضا من خدمة مصالحه الخاصة أو العائلية. داعيًا الجميع إلى العمل بفاعلية في المجتمع وعدم تجاهل الواقع، مع ضرورة التحلي بفضائل الصدق والتسامح والمشاركة مع الآخرين والالتزام بالقيم. منبهًا في الوقت نفسه إلى أهمية ممارسة الرياضة حفاظًا على الصحة التي أكد أنها أثمن شيء في الحياة.
ومن وحي تجربته الوزارية التي امتدت 25 عامًا؛ أوصى فخرو كل مسؤول في العمل العام أو الخاص، إلى الاستعداد أولاً لما عبَّر عنه بـ”رفس الكرسي” متى حان وقت استبداله، أو متى ما وجد أن العمل لا ينسجم مع ضميره؛ محذرًا في هذا السياق من الرشوة، مؤكدًا أنها سلوك لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال.
وفي ختام محاضرته، وبعد أن أبدى حسرته على ما تعيشه الأمة العربية من وضع متدهور، وما يعم العالم كله من حزن وأسى وانتهازية وجشع، رأى فخرو أن المعلم هو مفتاح التغيير، مجددًا التأكيد على أن الثقافة، والسكينة الروحية، والعدالة، والتشاركية، والاستقلالية، والالتزام، هي نوافذ الحياة البناءة والإيجابية.
وما إن أنهى فخرو تقديم تلك التجربة الملهمة حتى ضجت القاعة بالتحية والتصفيق، ليقدم بعدها السيد سهيل بن غازي القصيبي رئيس مجلس الأمناء للمؤسسة البحرينية للحوار خالص شكره وتقديره للضيف الكبير، مؤكدًا أنه قدَّم للجميع دروسًا للحياة وخلاصة ثرية لتجربة مازال الجميع يتغنى بإنجازاتها.