بصمات بحرنيية | بقلم: مصطفى سليم بودبوس
صحيفة الأيام العدد 11716 الخميس 6 مايو 2021 الموافق 24 رمضان 1442
خلال النصف الأول من شهر رمضان الكريم أتحفتنا المؤسسة البحرينية للحوار ببرنامج ثري وسمته بـ(بصمات بحرينية)، حيث استضافت وعلى امتداد أربعة لقاءات شخصيات بحرينية كانت لها بصمة مميزة في مجالها، بصمة تركت في من حولها بسمة وألف بسمة، زمرة طيبة من أهل البحرين يعرفهم البعض ولا يعرفهم الكثيرون، زمرة ليسوا من نجوم التلفزيون أو من الشخصيات التي لها آلاف المتابعين على (الإنستغرام)، أبطال يعملون بجد واجتهاد وصمت ويتركون كل يوم أثرًا جميلاً يبني الإنسان ويبني الوطن، شخصيات يصدق أن نقول عنهم بمعنى آخر (نجوم) ولكن ليسوا كنجوم الفن والملاعب، نعم إنهم فعلاً شخصيات وطنية تستحق الاهتمام والمتابعة.
وقد سعت المؤسسة البحرينية للحوار التي يرأسها سهيل بن غازي القصيبي، ومن خلال هذه السلسلة الشيقة من اللقاءات عبر حسابها على (الإنستغرام) إلى الاعتراف بجهود هؤلاء وتقديمهم للمتابعين ووضعهم تحت دائرة الضوء ليكونوا قدوة ومثالا يحتذى.
وليس غريبا على المؤسسة البحرينية للحوار التي تأسست عام 2012 بمباركة كريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء، أن تأخذ على عاتقها هذا الواجب لعلها من خلال كل بصمة بحرينية تحيي الأمل.
وقد اختارت المؤسسة لهذه اللقاءات أربع شخصيات ملهمة للتعريف بهم وإبراز قصص نجاحهم؛ ففي الحلقة الأولى استضافت المؤسسة القارئ الشيخ علي صلاح عمر إمام مركز الفاتح الإسلامي، وأدار الحوار معه بكل اقتدار الأخ سالم رجب زايد، فوقفنا على شخصية لها بصمة رائعة، وقد تلخصت المسيرة الحافلة للشيخ علي صلاح عمر في كلمة (إنجاز)، كيف لا وهو الذي حفظ القرآن الكريم وعمره 17 ربيعًا، وحصل على المركز الأول في جائزة البحرين الكبرى عام 2004 ومسابقة القارئ العالمي عام 2018، كما فاز بالمراكز الأولى في المسابقات الدولية للقرآن الكريم في موسكو وإندونيسيا والكويت، وقد حظي بتكريم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حيث قلّده وسام العمل الوطني من الدرجة الأولى عام 2018، ومن آخر أعماله وبصماته المشاركة في مشروع الختمة الصوتية لمصحف البحرين؛ فمثلك يا شيخ علي تشد له الرحال لينهل قصادك من علمك، دمت ودام أمثالك ونفع البحرين والأمة بعلمك.
وفي لقاء ثانٍ أداره بكل أريحية وانسيابية الأخ يونس عبدالعال، التقى متابعو حساب المؤسسة البحرينية للحوار مع فاطمة العطاوي رمز (الإصرار)، فقد تعرضت ملهمة اللقاء الثاني إلى حادث مروري أدى إلى بتر يدها، فواجهت واقعها بعزيمة لا تنثني، وكتبت قصة نجاح في مجال تصميم الأزياء تحكي من ورائها تجربة ملهمة ببصمات بحرينية شابة طموحة، فقد نالت فاطمة شهادة في مجال عملها من جامعة لندن للفنون، وشهادات أخرى في الخياطة وتصميم الأزياء، وسجلت علامتها التجارية الخاصة بها للأزياء وتنسيق المظهر، وحصلت على جائزة البحرين لريادة الأعمال وجائزة أفضل رائد عمل مؤثر من تمكين عام 2016 لتكون بذلك أيقونة الإصرار والعزيمة التي لا تنثني؛ مثلك يا فاطمة لا يعرف للعجز معنى، مثلك يبقى للإصرار عنوانا ومعنى، مثلك بها البحرين تبنى.
أما اللقاء الثالث، الذي أدارته سهير العجاوي بثبات وتشويق، فقد كان مع رئيس جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر زكريا إبراهيم الكاظم ذلك الذي قال عنه بعض الأطباء إنه لن يعيش أكثر من 18 عامًا في أحسن الأحوال بسبب السكلر الحاد، ولكنه وثق بربه الكريم وتعلق بالأمل، فواجه المرض والألم بالعزيمة والأمل في حكاية ملهمة وبصمة بحرينية خالصة شعارها (التحدي)، وها هو على مشارف العقد السادس من عمره يتطلع إلى المستقبل بالتفاؤل والرضا، كيف لا وهو الأب الروحي لحوالي 9000 محارب سكلر في البحرين، نعم هو زكريا الكاظم عضو مجلس إدارة مركز أمراض الدم الوراثية، وعضو الاتحاد الدولي لجمعيات الخلية المنجلية، وعضو استشاري في عدد من مجالس مناصري المريض في العالم، وقد بلغ صداه المدى ورشح لجائزة صناع الأمل في النسخة الأولى عام 2017؛ فطوبى لك يا زكريا من أب، وطوبى للبحرين بك خير قدوة وأخ.
ومسك ختام هذه الحلقات كان مع رائدة الحوار المجتمعي فاطمة عبدالمحسن عضو المؤسسة البحرينية للحوار التي التقاها في حوار مطول سليم بودبوس، واستعرض معها للمتابعين تجربتها الملهمة لمجال الحوار المجتمعي في البحرين تجربة أهلتها لنيل جائزة الحوار عام 2018 عن جدارة، فقد قادت فاطمة عبدالمحسن عددًا من المبادرات البحرينية لحلحلة خلافات مجتمعية عن طريق الحوار المجتمعي، كما أسهمت في إعداد محتوى تدريبي بحريني في تصميم وتيسير الحوار المجتمعي، بعد أن تم اعتمادها مدربة من معهد الأرضية المشتركة، وحصلت على درجة مفوض التدريب الدولي بمنظمة المهارات الحياتية، وعلى اعتماد كلية كامبردج للتدريب؛ حقًا كنت ملهمة يا فاطمة من خلال قيادتك للحوار المجتمعي، ومن خلال قيادتك لدورات التدريب، وقد تركت، ولا تزالين، بصمات ستحكيها الأجيال يومًا ما.
أما المؤسسة البحرينية للحوار فقد تركت فينا من خلال هذا البرنامج الرائع بصمةَ إنجاز وإصرارًا وتحديًا وتصميمًا؛ لذا نرجو أن تتواصل هذه البادرة الطيبة بعد شهر رمضان.
رابط المقال:
https://alay.am/p/4g1u
تيسير الحوار المجتمعي – سليم بودبوس
منشور في صحيفة الأيام العدد 11077 الأربعاء 7 أغسطس 2019 الموافق 6 ذو الحجة 1440
سليم مصطفى بودبوس
تيسير الحوار المجتمعي
يلعب المجتمع المدني في مملكة البحرين دورا طلائعيا في التنمية البشرية، ويتجلى ذلك في أكثر من قطاع وعلى أكثر من صعيد. والمبادرات في هذا السياق لا تحصى ولا تعد، من ذلك مبادرات معهد التنمية السياسية وفعاليات الجمعيات التطوعية، وأنشطة النوادي الأهلية، لا سيما الدور المتصاعد الذي تقوم به المؤسسة البحرينية للحوار.
وفي هذا السياق المجتمعي، حضرت في الفترة من 20 إلى 24 يوليو الماضي برنامجا تدريبيا بعنوان تصميم وتيسير الحوار المجتمعي، والذي أمّنته كوكبة رفيعة المستوى من المدربين وحضره زهاء 25 متدربا من مختلف الفئات العمرية، لا سيما من الشباب. وهذه الدورة هي الثالثة من نوعها للمؤسسة في شهر يوليو 2019، إذ جرى توزيع المسجلين على ثلاث مجموعات لتأمين ظروف تدريبية عالية الجودة.
واللافت خلال هذه الدورة التدريبية أمور عدّة، منها اسم البرنامج، وموضوع التدريب، والمدربون، والمتدربون، والمؤسسة البحرينية للحوار.
«تيسير» هو اسم البرنامج، وهو خفيف في لفظه عظيم في معناه وغاياته، وقد جرى اختياره للتعبير عن الغاية البعيدة ألا وهي تحويل كل عسير (خِلاف وما شابهه) إلى يسير، ولمّا كان المسمّى «تيسير» فهو يقتضي مُيَسِّرا ينهض بهذه المهمّة، ولمّا كان التيسير عملية ليست سهلة ولها أسسها وأخلاقها، فقد أبدعت المؤسسة البحرينية للحوار هذا البرنامج بعد أن نفّذته في مناسبة سابقة بالتنسيق مع منظمة البحث عن أرضية مشتركة، وهي منظمة عالمية.
أمّا موضوع التدريب «الحوار المجتمعي: مفهومه وتصميمه وتيسيره» فغاية في الأهميّة؛ إذ يمثل الحوار أفضل السبل الكفيلة بحلّ الخلافات المجتمعية، سواء ما كان منه في طور البداية أو ما طال أمده وعجزت العديد من الأطراف عن حلّه. وقد تلاشت أمام المتدربين بعض المفاهيم المتداخلة مع الحوار المجتمعي مثل المناظرة والنقاش وغيره. وكذلك جرى التمييز بدقة، ومن خلال أمثلة حية، بين ما يصلح أن يكون خلافا مجتمعيّا قابلا للحوار وبين ما لا يصلح لهذا الغرض. أمّا تصميم الحوار فعملية منهجية دقيقة تكون مسبوقة بمسح وتحليل للخلاف المجتمعي وتحديد أطرافه وتحليل مواقفهم واستيعاب درجة الحساسية لهذا الخلاف. ثم مرحلة التخطيط للحوار المجتمعي وهي بذاتها عملية مركبة ودقيقة.
أمّا المدرّبون فهم أعضاء في المؤسسة البحرينية للحوار أظهروا من البراعة في إدارة فقرات التدريب ما يثلج الصدر رغم تعقّد الموضوع، وأبدَوا من الاحترافية في العرض والتقديم والتنظيم والتيسير ما جعل الجميع يقف إجلالا لهم وتقديرا لجهودهم الجبارة طيلة خمسة أيام، كما أبانوا عن قدرات قَلّ نظيرها عند العديد من المدربين في مجال التنمية البشرية ممّن يأتون من دول أجنبيّة.
وأمّا المتدرّبون فكانوا لفيفا من الناس وأغلبهم من فئة الشباب الذين اقتنعوا بموضوع الدورة، فسجّلوا فيها طواعية لغايات نبيلة. فمن ذا الذي يترك قضاء الإجازة أو الفترة المسائية من يومه بين أهله وصحبه ويأتي لدورة لن يأتي من ورائها سوى التعب والمشقة؟ فهؤلاء الذين انخرطوا في هذا البرنامج يعرفون جيدا صعوبة إدارة الحوارات المجتمعية وما يقتضيه من تضحيات في الوقت والجهد والمال، لكنهم أُناس آمنوا بدور المجتمع المدنيّ وبأهمية الفرد داخل المجموعة، فقرروا أن يتعلموا ويطبّقوا ما تعلّموا حتى يكونوا جزءا فاعلا في مجتمعهم من أجل سلام اجتماعي يساهم في تنمية المجتمع وتقدّمه.
أخيرا وليس آخرا، المؤسسة البحرينية للحوار التي تأسست سنة 2012 بمبادرة كريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء. هذه المؤسسة آمنت بما جاء في أقوال سمو ولي العهد لدى لقائه مجلس أمنائها، حيث قال سموّه: «ندعم المبادرات الشبابية الهادفة وجميع المبادرات الشبابية المخلصة التي تعمل على تعزيز التواصل وبناء الجسور من أجل المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي لمملكة البحرين، إذ إنّ العمل على هذا المسعى هو من أجل تعزيز روح الوحدة والإخاء في كنف وطننا العزيز».
وهكذا تعمل المؤسسة برئاسة المؤسس سهيل غازي القصيبي على تعزيز الحوار المدني والمصالحة الاجتماعية، وقد تأسّست على مبادئ التسامح والتعايش والاحترام والحوار منهجا لحلّ الخلاف عبر الاستماع لأطرافه دون التحيز لأيّ منهم. وقد استطاعت المؤسسة فعلا عبر برامجها المختلفة ومنها برنامج تيسير المساهمة في حلّ العديد من الخلافات المجتمعية العام الماضي.
وإذْ نحيّي كلّ من وقف على دفع جهود هذه المؤسسة إلى بلوغ أهدافها، فإننا نؤكد على ضرورة دعمها ودعم مثيلاتها من المنظمات والجمعيات بشتى السّبل، لا سيّما بالانخراط في برامجها والمساهمة في إدارة الحوارات المجتمعية وجها لوجه بين المختلِفين؛ صونا لروح المجتمع البحريني الجامعة التي ميّزت هوية أهل البحرين منذ قديم الزمان.