• مقال: في رحاب سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء

    بقلم – سهيل بن غازي القصيبي

    لم يكن اللقاء الذي أجراه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه مع رؤساء تحرير الصحف المحلية لقاءً عاديًّا بالتأكيد، بل جاء كما عوَّدنا سموه نوعيًّا، ويحمل في طياته الكثير من المعاني والدلالات العميقة التي تتناول المشهد العام بجوانبه وأبعاده المختلفة؛ محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا؛ سياسيًّا واقتصاديًّا، واجتماعيًّا وتنمويًّا، وقانونيًّا وحقوقيًّا. وجاء أيضًا -كعادة سموه- واضحًا ودقيقًا وعميقًا في رسائله، وفي الرؤية التي انطلق منها. كما أنَّ لتوقيته دلالات مهمة كذلك؛ إذ تزامن مع احتفالات البحرين بالذكرى العشرين لميثاق العمل الوطني.   

    نعم، جاء هذا اللقاء المبارك ليحدِّد بوضوحٍ التوجهات الحكومية في المرحلة القادمة من العمل الوطني، برؤيةٍ واضحةٍ، وروحٍ قويةٍ، وتطلعاتٍ كبيرةٍ لصالح الوطن وشعبه الوفي، اتصالاً بالنهج الرشيد الذي أرساه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وتنفيذًا للرؤية السامية لجلالته المتمثلة في ميثاق العمل الوطني.  

    ولا يسعفني المقام أن أتناول جميع تلك الأبعاد والجوانب والمسارات، ولكني سأركز على جانبيْن مهميْن بينهما ترابطٌ وثيقٌ، أولاهما سموه عنايةً خاصةً، يعبِّران عن نظرة قائدٍ خبيرٍ، وروح رجلٍ شهمٍ نبيلٍ. 

    أما الجانب الأول فهو الجانب الاجتماعي، فقد أكَّد سموه أنَّ النسيج الاجتماعي في مملكة البحرين وما يمتاز به من التعددية والتنوع مرتكزٌ مهمٌّ من مرتكزات العمل الوطني، بحيث من الضروري أنْ يكون “مصدر قوة لنا”، وتكون للحفاظ عليه “أولويةٌ دائمةٌ لدينا”، وذلك من خلال “تعزيز العدالة كمرتكزٍ أساسيٍّ للاستقرار الاجتماعي”، واعتماد “الكفاءة والولاء للوطن” في المناصب الإدارية والتعيينات الحكومية الجديدة بما يعكس في الوقت نفسه “نسيج مجتمعنا المتنوع”؛ “ليدرك الجميع أنَّ الفرص متاحةٌ لكلِّ من يريد أنْ يساهم في بناء وطننا وازدهاره”. 

    وأرى شخصيًّا أنَّ سموه في هذا الجانب قد لامس وعالج أحد أهم الإشكالات والتحديات التي تواجهها دولنا في العصر الراهن.  

    أما الجانب الآخر فهو الجانب الحقوقي، وقد جدَّد فيه سموه التأكيد على أهمية “تعزيز العدالة” مرةً أخرى، محددًا رؤيته في هذا الجانب بـ “تطوير نظامنا القانوني، وتعزيز العدالة والحريات الفردية، ومنظومتنا المتكاملة لحقوق الإنسان” التي تصون الحقوق وتحمي الأفراد بعيدًا عن التسييس.  

    ولم يتركها سموه عناوين عامة فقط، بل أعلن بعضًا من الخطط التنفيذية لتلك الرؤية الحكيمة عبر ثلاثة مساراتٍ حقوقيةٍ: الأول: “التوسع في برنامج العقوبات البديلة”، والثاني: “تبني برنامج لمراكز الإصلاح والسجون المفتوحة لحماية النسيج الاجتماعي وفق ضوابط”، والثالث: “تجاوز أسلوب الاعتماد على الاعتراف أمام المحكمة، والاعتماد بدلًا عن ذلك على الأدلة المادية القاطعة لنستمر في ترسيخ مبدأ العدالة”.  

    ولأننا عرفنا سمو ولي العهد بالصراحة والمباشرة والدقة في انتقاء العبارات، فإنَّنا نقرأ بوضوحٍ أنَّ مفهوم “العدالة” سيكون شعار العمل الحكومي بقيادة سموه وعنوانه الرئيس. وهي تنمُّ عن نظرةٍ ثاقبةٍ وإرادةٍ صلبةٍ لتحقيق خير البلاد والعباد، فالعدالة أساسٌ متينٌ لتأمين الاستقرار النفسي لدى الناس، وإرساء الأمن الاجتماعي في المجتمعات، وتعزيز قيم المواطنة الصالحة والحكم الرشيد، وتحقيق الازدهار والنماء المنشوديْن للأوطان.  

    فنحن إذن يا سادة –وبكل فخر واعتزاز- على أبواب صناعة حلقةٍ جديدةٍ من تاريخنا الوطني المجيد تقوم على تعزيز العدالة، وتعزيز الحريات، وحفظ النسيج الاجتماعي، وصون الحقوق وحماية الأفراد. وإنها لرؤيةٌ سديدةٌ تبعث على التفاؤل، وترفع مستويات الطموح نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا وازدهارًا بعون الله تعالى، وبحكمة القيادة وإخلاص الشعب. 

     

    صاحب السمو  

    تقدموا سموكم رعاكم الله، واحملوا راية التطوير والتحديث في ظل العهد الزاهر لوالدكم صاحب الجلالة الملك المفدى أيده الله، وثقوا يا صاحب السمو أنَّ فريق البحرين الذي منحتموه الثقة، وأعطيتموه الفرصة، سيكون خلفكم، وعند حسن ظنكم، وستكسب البحرين الرهان بعون الله، وتكتب تاريخ فريقها الذي يحب التحدي، ويعشق الإنجاز.