بصمات بحرينية | تصميم | فاطمة عبدالمحسن
تيسير الحوار المجتمعي – سليم بودبوس
منشور في صحيفة الأيام العدد 11077 الأربعاء 7 أغسطس 2019 الموافق 6 ذو الحجة 1440
سليم مصطفى بودبوس
تيسير الحوار المجتمعي
يلعب المجتمع المدني في مملكة البحرين دورا طلائعيا في التنمية البشرية، ويتجلى ذلك في أكثر من قطاع وعلى أكثر من صعيد. والمبادرات في هذا السياق لا تحصى ولا تعد، من ذلك مبادرات معهد التنمية السياسية وفعاليات الجمعيات التطوعية، وأنشطة النوادي الأهلية، لا سيما الدور المتصاعد الذي تقوم به المؤسسة البحرينية للحوار.
وفي هذا السياق المجتمعي، حضرت في الفترة من 20 إلى 24 يوليو الماضي برنامجا تدريبيا بعنوان تصميم وتيسير الحوار المجتمعي، والذي أمّنته كوكبة رفيعة المستوى من المدربين وحضره زهاء 25 متدربا من مختلف الفئات العمرية، لا سيما من الشباب. وهذه الدورة هي الثالثة من نوعها للمؤسسة في شهر يوليو 2019، إذ جرى توزيع المسجلين على ثلاث مجموعات لتأمين ظروف تدريبية عالية الجودة.
واللافت خلال هذه الدورة التدريبية أمور عدّة، منها اسم البرنامج، وموضوع التدريب، والمدربون، والمتدربون، والمؤسسة البحرينية للحوار.
«تيسير» هو اسم البرنامج، وهو خفيف في لفظه عظيم في معناه وغاياته، وقد جرى اختياره للتعبير عن الغاية البعيدة ألا وهي تحويل كل عسير (خِلاف وما شابهه) إلى يسير، ولمّا كان المسمّى «تيسير» فهو يقتضي مُيَسِّرا ينهض بهذه المهمّة، ولمّا كان التيسير عملية ليست سهلة ولها أسسها وأخلاقها، فقد أبدعت المؤسسة البحرينية للحوار هذا البرنامج بعد أن نفّذته في مناسبة سابقة بالتنسيق مع منظمة البحث عن أرضية مشتركة، وهي منظمة عالمية.
أمّا موضوع التدريب «الحوار المجتمعي: مفهومه وتصميمه وتيسيره» فغاية في الأهميّة؛ إذ يمثل الحوار أفضل السبل الكفيلة بحلّ الخلافات المجتمعية، سواء ما كان منه في طور البداية أو ما طال أمده وعجزت العديد من الأطراف عن حلّه. وقد تلاشت أمام المتدربين بعض المفاهيم المتداخلة مع الحوار المجتمعي مثل المناظرة والنقاش وغيره. وكذلك جرى التمييز بدقة، ومن خلال أمثلة حية، بين ما يصلح أن يكون خلافا مجتمعيّا قابلا للحوار وبين ما لا يصلح لهذا الغرض. أمّا تصميم الحوار فعملية منهجية دقيقة تكون مسبوقة بمسح وتحليل للخلاف المجتمعي وتحديد أطرافه وتحليل مواقفهم واستيعاب درجة الحساسية لهذا الخلاف. ثم مرحلة التخطيط للحوار المجتمعي وهي بذاتها عملية مركبة ودقيقة.
أمّا المدرّبون فهم أعضاء في المؤسسة البحرينية للحوار أظهروا من البراعة في إدارة فقرات التدريب ما يثلج الصدر رغم تعقّد الموضوع، وأبدَوا من الاحترافية في العرض والتقديم والتنظيم والتيسير ما جعل الجميع يقف إجلالا لهم وتقديرا لجهودهم الجبارة طيلة خمسة أيام، كما أبانوا عن قدرات قَلّ نظيرها عند العديد من المدربين في مجال التنمية البشرية ممّن يأتون من دول أجنبيّة.
وأمّا المتدرّبون فكانوا لفيفا من الناس وأغلبهم من فئة الشباب الذين اقتنعوا بموضوع الدورة، فسجّلوا فيها طواعية لغايات نبيلة. فمن ذا الذي يترك قضاء الإجازة أو الفترة المسائية من يومه بين أهله وصحبه ويأتي لدورة لن يأتي من ورائها سوى التعب والمشقة؟ فهؤلاء الذين انخرطوا في هذا البرنامج يعرفون جيدا صعوبة إدارة الحوارات المجتمعية وما يقتضيه من تضحيات في الوقت والجهد والمال، لكنهم أُناس آمنوا بدور المجتمع المدنيّ وبأهمية الفرد داخل المجموعة، فقرروا أن يتعلموا ويطبّقوا ما تعلّموا حتى يكونوا جزءا فاعلا في مجتمعهم من أجل سلام اجتماعي يساهم في تنمية المجتمع وتقدّمه.
أخيرا وليس آخرا، المؤسسة البحرينية للحوار التي تأسست سنة 2012 بمبادرة كريمة من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء. هذه المؤسسة آمنت بما جاء في أقوال سمو ولي العهد لدى لقائه مجلس أمنائها، حيث قال سموّه: «ندعم المبادرات الشبابية الهادفة وجميع المبادرات الشبابية المخلصة التي تعمل على تعزيز التواصل وبناء الجسور من أجل المحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي لمملكة البحرين، إذ إنّ العمل على هذا المسعى هو من أجل تعزيز روح الوحدة والإخاء في كنف وطننا العزيز».
وهكذا تعمل المؤسسة برئاسة المؤسس سهيل غازي القصيبي على تعزيز الحوار المدني والمصالحة الاجتماعية، وقد تأسّست على مبادئ التسامح والتعايش والاحترام والحوار منهجا لحلّ الخلاف عبر الاستماع لأطرافه دون التحيز لأيّ منهم. وقد استطاعت المؤسسة فعلا عبر برامجها المختلفة ومنها برنامج تيسير المساهمة في حلّ العديد من الخلافات المجتمعية العام الماضي.
وإذْ نحيّي كلّ من وقف على دفع جهود هذه المؤسسة إلى بلوغ أهدافها، فإننا نؤكد على ضرورة دعمها ودعم مثيلاتها من المنظمات والجمعيات بشتى السّبل، لا سيّما بالانخراط في برامجها والمساهمة في إدارة الحوارات المجتمعية وجها لوجه بين المختلِفين؛ صونا لروح المجتمع البحريني الجامعة التي ميّزت هوية أهل البحرين منذ قديم الزمان.